الأحد، 3 مايو 2015

المراهقون وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات : أتكون الحياة بدونها أكثر إمتاعًا؟؟

المراهقون وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات
أتكون الحياة بدونها أكثر إمتاعًا؟؟
بقلم : كي سونج

ترجمة : مَلـَك نور الدين
رابط المقال الأصلي من هنا
قد يسبب الابتعاد عن الهاتف المحمول شعورًا تعجيزيًا، بل ربما يكون للبعض أسوأ من نسيان حافظة النقود في المنزل.
يستطيع العديد من البالغين تذكر الفترة الزمنية التي سبقت الثورة الرقمية،حينما لم تكن هناك هواتف محمولة. أما بالنسبة لمن نشأ في
مرحلة الثورة الرقمية فإن الابتعاد عن الهاتف المحمول، الذي يعد وسيلته الأساسية للاندماج في الحياة الاجتماعية،قد يثير لديه انفعالات ومشاعر لا حصر لها.

مؤخرًا قامت مجموعة من المراهقين بإرسال آخر رسائلهم النصية ومشاركة منشوراتهم للمرة الأخيرة عبر موقع "فيس بوك" قبل أن يجمعوا هواتفهم المحمولة ويضعونها في مظروف كبير الحجم ويغلقونه بإحكام.هؤلاء المراهقون قد تخلوا طوعًا ليس فقط عن استخدام الهواتف بل عن استخدام كافة الأجهزة الإلكترونية لثلاثة أيام، وكان هدفهم من ذلك
هو الوصول لفهم أعمق وأفضل للدور الذي تلعبه التكنولوجيا في حياتهم.

في مدرسة "كونڤينت آند ستيوارت هول"بولاية سان فرانسيسكو، قامت مجموعة من الفتيان والفتيات،بالاشتراك مع بعض المعلمين وأولياء الأمور،في تحدٍ أكاديمي أُطلق عليه"Tech TimeoutAcademic Challenge" (التحدي الأكاديمي للابتعاد عن التكنولوجيا)، و قد تراوحت المراحل الدراسية  للمشتركين ما بين الصف الرابع حتى الصف الثاني عشر. وقد كان ذلك ضمن محاولة لتلك المدرسة الخاصة لتنفيذ برنامجها المسمى"one to one - واحد لواحد" للتعليم باستخدام أجهزة الآي باد. كان الهدف من هذا التحدي هو إدراك أن التكنولوجيا غالبًا ما تكون مصدر إلهاء عن أشياء أخرى مهمة،كالتواصل مع زملاء الدراسة والأسرة أو الاستمتاع بتفاصيل الحياة أو محاولة الإبداع والابتكار.

"سيكون الأمر صعبًا للغاية بالنسبة لي. أعتقد أني سأشعر بقلق بالغ بعد ساعة واحدة تقريبًا من بدء التحدي." هذا ما قاله "إيلي هورويتز" الطالب في السنة الثانية من المرحلة الثانوية،وهو يُحكم إغلاق المظروف على هاتفه. العديد من الطلاب الآخرين كذلك أبدوا شعورهم بالقلق إزاء ذلك التحدي،موضحين أن رغبتهم في التواصل مع أصدقائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي هي من الأسباب الرئيسية التي قد تغريهم باستعادة هواتفهم.ومع ذلك فقد أبدى بعض الطلاب الآخرين سعادتهم لاستغلال هذه الفرصة لمحاولة الابتعاد عن هواتفهم لبعض الوقت.

قال "توماس نامارا"، الطالب في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية: "لقد عجّلنا كثيرًا بتطوير التكنولوجيا هنا (في ستيوارت هول) وأعتقد أنه من الجيد أن يأخذ الناس خطوة إلي الوراء ليحاولوا رؤية مفاهيم التعلم والصداقة والاندماج في المجتمع من منظور مختلف". فخلال السنوات الأربعة التي قضاها توماس في المدرسة، تزايد استخدام التكنولوجيا بشكل جذري،وهو يشعر بالسرور أن طلاب السنة الأولى سيعرفون ولو قليلًا كيف كانت الحياة الدراسية قبل التكنولوجيا الرقمية.

توقع مسؤولو المدرسة أن بعض الطلاب لن يستطيعوا الاستمرار في ذلك التحدي لثلاثة أيام كاملة، ولكنهم شعروا أنه من الضروري رفع مستوى وعي الطلاب تجاه استخدامهم لهواتفهم.

عبر"هوارد ليڤن"مدير قسم  الابتكار التعليمي وخدمات المعلومات بالمدرسة عن رأيه حول التحدي قائلًا " لديّ تاريخ طويل في العمل على تشجيع وتعزيز استخدام التكنولوجيا، وكم هو مثير بالنسبة لي أن تتغير أولوياتي الآن لتصب في العمل على تشجيع الاستخدام الواعي والحَذِر للتكنولوجيا وتعلم الانفصال عنها وعدم التعلق بها".
يثق ليفن تمامًا أن برنامج الآي باد الذي تقدمه المدرسة يساعد الطلاب ليكونوا منتجين ومؤثرين في المجتمع، كما أنه يعزز قدراتهم على الابتكار والاستفادة من المعلومات، إلا أنه يعلم جيدًا أن التكنولوجيا قد تسللت بعمق لحياة الطلاب، حتى أنهم ربما يكونون غير مدركين كيف يمكن للحياة أن تبدو بدون تكنولوجيا.يرى ليفن أنه بالرغم من أن مدة هذا التحدي لا تتعدى الثلاثة أيام، إلا أنها تُعد مدة كافية نسبيًا لجعل الطلاب يتفكرون في كيفية استخدامهم للتكنولوجيا وكيف يتأثرون بها. حتى أنهم ربما يتمكنون من وضع خطط استراتيجية تمكّنهم من الانفصال عن التكنولوجيا بمعدل منتظم.

كما أضاف
ليڤن أن أكثر ما يستهدفه هذا التحدي هو مقدار الإلهاء الذي تُسببه تطبيقات التواصل الاجتماعي وأصوات رنين الهاتف والإشعارات التي تشتت انتباه الطلاب. تسمح مدرسة كونڤنت آند ستيوارت هول للطلاب باستخدام هواتفهم وأجهزة الآي باد الخاصة بهم في أي وقت أثناء الدراسة(دون أي قيود) ويحاول المعلمون جاهدين أن يساعدوا الطلاب على التمييز بين الأوقات التي يتحتم عليهم الانتباه فيها وبين أوقات الترفيه.

أما عن تفاعل الطلاب مع التحدي وردود أفعالهم بعد البدء فيه، فقد عبر "هورويتز" عن شعوره بالارتياح وكيف أنه تمكن من استغلال وقته بشكل مبتكر.وقال أنه لو كان هاتفه بحوزته، لقضى هذا الوقت في تفقد "الإنستجرام" مرة تلو الأخرى. أكد "هورويتز"أن التعود على عدم استخدام الهاتف لم يكن سهلًا في البداية.ففي اليوم الأول كان قلقًا ومتوترًا، يضع يديه في جيبه بحثًا عن الهاتف دون وعي، ولكنه في اليوم الثالث شعر كأنه قد تحرر من عبء ما، فاستمتع بوقته وذهب لركوب الأمواج والقفز على الترامبولين والتمشية.
وصف "هورويتز" علاقته بوسائل التواصل الاجتماعي وغيرها بأنها أشبه بالإدمان، بل قد تكون الاعتمادية هي الوصف الأكثر دقة، حيث أصبح يعتمد على التكنولوجيا اعتمادًا زائدًا بحكم التعود. وقد شعر أنه في غنىً عن ذلك كله بعد ما أحس به من راحة وتحرر بابتعاده عن التكنولوجيا وعن هاتفه المحمول.وقد أعرب عن ارتياحه لتمكنه من اجتياز الأيام الثلاثة بنجاح، إلا أنه غير واثق تمامًا إذا كان سيتمكن من حمل نفسه على أخذ المزيد من الاستراحات المشابهة مستقبلًا.

أما "آسريت" فكان الالتزام بشروط التحدي ممكنًا عندما كان وسط زملائه الذين يخوضون نفس التحدي، ولكن الأمور اختلفت حينما صار بمفرده، فأخرج هاتفه وحينها شعر بالراحة والأمن، وأنه قادر على التواصل مع أصدقائه، فقد ظن "آسريت" أنهم هم الآخرين قد استخدموا هواتفهم سرًا وخشي أن يفوته ما يتداولونه.
إلا أن "أسريت" قد تعلم شيئًا مهمًا في الفترة التي قضاها دون هاتفه، فقد أدرك أن إهداره للوقت في استخدام الهاتف ومشاهدة التلفاز وما شابه يؤخره عن إنجاز فروضه ومهامه في الوقت المناسب، لذا قرر فيما بعد الابتعاد تمامًا عن مصادر الإلهاء أثناء تأديته لفروضه.وكانت النتيجة أنه استغرق ساعة ونصف فقط لأداء فروضه المدرسية،في حين أنها كانت تستغرق خمس ساعات تقريبًا من قبل.

كما لاحظ بعض الطلاب أنهم كانوا أكثر تفاعلًا مع الأصدقاء و الأسرة، عندما توقفوا عن استخدام التكنولوجيا بغرض التواصل،ففي حين أنها كانت تقربهم بشكل ما من الآخرين إلا أنها في الوقت نفسه تعزلهم عن المحيطين بهم.
أما "كاثرين هينين" فقد علقت على قيامها بذلك التحد
ي قائلة كيف أنه من الغريب أنها كانت بعيدة عن استخدام التكنولوجيا في حين أن الجيل الذي ينتقدها وأقرانها دائمًا، بسبب استخدامهم المفرط لمواقع التواصل المختلفة،كان عاكفًا على استخدامها(تقصد أبويها).
وقد أضاف الطالب "نمارا" أن قبوله ذلك التحدي قد غيَّر تمامًا من مفهوم التواصل بالنسبة له، فقد كان الطلبة يقضون وقتهم في التسلية على هواتفهم وأجهزة الآي باد الخاصة بهم، أما أثناء التحدي فقد استغلوا وقتهم في التحدث وتفاعلوا سويًا بشكل أكثر إيجابية. فقد كان الناس يلجأون للهواتف كوسيلة للتملص من إجراء محادثات حقيقية فيما بينهم.
كما أدى ذلك التحدي إلى زيادة التواصل بين "نمارا" ووالديه، فقد كان في الغالب يقوم بإنجاز فروضه المدرسية بالاستعانة بالبحث عن المعلومات عبر الإنترنت، أما وقد صارت تلك التكنولوجيا بعيدًا عن متناوله، فقد لجأ إلى والدته لتساعده في إنجاز مهامه.
لنصف ساعة تحدث نمارا مع والدته ولم تقتصر المحادثة حول واجبه المدرسي فقط بل تطرقا إلى السياسة والبيئة والاقتصاد وما يدور في الشرق الأوسط ، ثم انضم إليهما والده وامتد ذلك الحوار الشائق لساعة كاملة.ولم يكن مثل هذا الحوار من الأمور المعتادة في المنزل.

في المدرسة أدرك جميع الطلاب أن الفصل يبدو مختلفًا بدون التكنولوجيا، وكان الجميع في حالة ترقب. وقد طرح المعلمون بعض الموضوعات للنقاش تتعلق بالأحداث الجارية وأشركوا الطلاب في ألعاب تتطلب مهارات الإقناع أو التأمل.
لقد كان الأمر بمثابة صيحة تنبيهية لنا جميعًا، لنراجع كيفية تعاملنا مع التكنولوجيا ومدى اعتمادنا عليها.
لقد اعتمد المعلمون والطلاب في مدرسة "
كونڤنت آند ستيوارت" على التكنولوجيا بشكل كامل، حتى أن المعلمين علقوا قيامهم بشرح الدروس أثناء الفترة التي خاضتها المدرسة في التحدي. أعرب الطلاب عن استمتاعهم بالابتعاد عن استخدام التكنولوجيا في تدوين الملاحظات وتلقي الدروس عبر شاشات الـApple TV وأداء الواجبات عبر الإنترنت. ولكنهم أقروا أن استمتاعهم هذا قد يكون راجعًا إلى أن العبء المُلقى على عاتقهم بشكل عام قد أصبح أخف وطئة.