المصدر: من هنـــا
ترجمة: رحاب علي
يطرح أحد علماء
النفس مسألة للنقاش وهي اعتبار الأشخاص المشخصين بقصور الانتباه وفرط الحركة (ADHD) على أنّهم يتمتعون بخيال
فائق بدلًا من أن نعتبرهم يعانون من صعوبات في التعلم.
ما مصدر الابتكار
أو الاختراع أو الإبداع؟ أيّ مراكز المخ مسؤول عنهم؟ يقول سكوت باري كوفمان
وهو أخصائي علم النفس المعرفي والمدير العلمي لمعهد الخيال في مركز علم النفس
الإيجابي في جامعة بنسلفانيا(Imagination Institute in the
Positive Psychology Center at the University of Pennsylvania) أن هناك
تشابه شديد بين المشخصين بقصور الانتباه وفرط الحركة والأشخاص الذين نعتبرهم
مفكّرين مبدعين.
شبكة الوضع
الافتراضي في المخ (default
mode network) التي تسيطر على العمليات
المعرفية، مثل التفكير في وجهات النظر المختلفة وأحلام اليقظة والشرود العقلي، تُعد
أكثر نشاطًا حين تكون أذهاننا في حالة من الاسترخاء. ويقول كوفمان أننا عندما نفحص
دراسات الرنين المغناطيسي الوظيفي (FMRI) نجد أن هذا الجزء من
المخ يكون أكثر فعالية عند الأشخاص الذين يعانون من قصور الانتباه وفرط الحركة.1
يقول كوفمان
"أشير إليها بشبكة الخيال في المخ لأنني أعتقد أن هذه هي ماهيتها. وتوضح أحدث
الأبحاث أن شبكة الخيال في المخ مسؤولة مسؤولية كبيرة عن الإبداع والأفكار
الخلاقة، ويبدو أن هؤلاء الذين تم تشخيصهم بقصور الانتباه وفرط الحركة لديهم
صعوبات أكبر في كبت النشاط في شبكة الخيال في المخ مقارنةً بأولئك الذين لم يتم
تشخيصهم بقصور الانتباه وفرط الحركة. فمن الممكن تصوّر أن ما يعاني منه المشخصون
بقصور الانتباه وفرط الحركة هو خيال نشط للغاية مقارنةً بكونه صعوبة في التعلم."
يناقش كوفمان أن
وجود قصور الانتباه وفرط الحركة قد يكون أيضًا رمزًا لعملية التطور بطريقةٍ ما. ويقول
"منذ حوالي 50,000 عام عندما تركت عصبة منّا إفريقيا وذهبت إلى أوروبا ثم غزت
العالم في النهاية، من أجل السفر وقطع تلك المسافات تبين أن هنالك طفرة جينيّة. هذه
الطفرة الجينيّة بالتحديد مرتبطة بالدوبامين كما أنها مرتبطة بفرط الانتباه وقصور
الحركة. وبدون تلك الخصائص ربما لما أصبحنا الجنس البشري الذي نحن عليه الآن".2
ويوضح كوفمان، استنادًا
إلى الأبحاث المتاحة، أن الطريقة التي تنظر بها أنظمتنا التعليمية والنفسية إلى
قصور الانتباه وفرط الحركة قد تكون معيبة على نحو خطير.
فيقول "ما
يروقني القيام به هو النظر إلى الخصائص المختلفة التي ترتبط بمسمّى ’قصور الانتباه وفرط الحركة‘، فهو مسمّى في نهاية
المطاف، وهو شيء نَسِم الناس به، خصوصًا في السياق التعليمي."
ووفقًا لكوفمان،
يبدو أنّ الأشخاص الذين تم تشخيصهم بقصور الانتباه وفرط الحركة لديهم خيال أكثر نشاطًا،
لكن مسمّى "قصور الانتباه وفرط الحركة" يمكن أن يكون مقيِّدًا بشكل
كبير، بل يمكن أن يضع هذا التشخيص الأطفال في برامج خاصّة، وأحيانًا قد يضيّق الخيارات
المتاحة لهم في المدارس الثانوية والكليات. ويقول كوفمان أن الوالدين بحاجة إلى العمل
مع المدارس لتحديد أشكال تعلم لا تكبت التفكير الخلّاق.
كذلك يقول
"هذه قضية أكبر، وأعتقد أن جميع الطلاب يجب أن يحصلوا على فرصة ليكونوا
متعلمين نشطين. اعطوهم فرصة ليتحكموا فعليًّا في عملية التعلم ولتقودهم الأصوات والخيالات
وأحلام اليقظة النابعة من داخلهم. اسمحوا للطلبة ببعضٍ من الإستقلاليّة في تلك
العملية وسترونهم يزدهرون."
ويبدو أن
المعلّمين يفتقرون إلى الصبر حين يتعلّق الأمر بالإبداع، ووفقًا لكوفمان تشير
الدراسات الحديثة إلى أن المُربّين يخلطون غالبًا بين السلوك الذي يُعرف
بـ"السلوك الفوضوي المُشوِّش" وذلك الذي يُعرف بـ"السلوك الإبداعي".
يقول كوفمان
"نحن لا نقدر الإبداع بكلّ بساطة، ولا نقدر الخيال كذلك في حين أنه جزء ضروري
من الإبداع. وفي كل مرّة نجبر فيها طالبًا على الاستماع سلبيًّا إلى محاضرة أو إلى
شيء لا يثير اهتمامه بشكلٍ شخصيّ أو لا يرى أي أهمية له في حياته المستقبلية، فنحن
نسلبه فرصة تخيل مستقبله الخاص ونسلبه مناهج جديدة قد لا تكون قد وُجدت حتى الآن."
يقول كوفمان أن
هناك الكثير من التشابهات بين الطلاب المشخصيّن بقصور الانتباه وفرط الحركة وأسلافنا
الذين عاشوا منذ 50,000 عام.
ويضيف "يمكنك
أن تتصوّر أن الأشخاص المشخصين بقصور الانتباه وفرط الحركة مستكشفون. تخيّل أنك
مستشكف محاصر في أحد الفصول التعليمية حيث يقول لك المعلّم "انتبه لي ولا
تستكشف". يثير ذلك جنونهم."
ملاحظات:
(1) المخ هو جزء
من الدماغ وهو المسؤول عن الوظائف الإدراكية والحسية والعقلية ووظائف اللغة، أما
الدماغ فهو الذي يجمع المعلومات ويحللها ويبتكر أخرى جديدة ويدير أعضاء الجسم.
(2) الدوبامين
هو مادة كيميائية تتفاعل في المخ لتؤثر على كثير من الأحاسيس والسلوكيات بما في
ذلك الانتباه والتوجيه وتحريك الجسم.