إن التحدث بلغتين بدلا من لغة واحدة له مزايا عملية وواقعية وخاصة في عصر العولمة. ولكن بالإضافة لتلك المزايا، فقد بدأ العلماء مؤخرا في الكشف عن مزايا أساسية للتحدث بلغتين أكثر من مجرد القدرة على التخاطب مع جمهور أكبر. وقد كشفوا أن تحدثك بلغتين ظاهريا على الأقل، يجعلك أكثر ذكاءا.
وللتحدث بلغتين أثر عميق على مخك، ويحسن من قدراتك الاستيعابية حتى القدرات التي لا تتعلق مباشرة باللغة، وأيضا تأثير يقلل من احتمالات خرف الشيخوخة عند الكبر.
وللتحدث بلغتين أثر عميق على مخك، ويحسن من قدراتك الاستيعابية حتى القدرات التي لا تتعلق مباشرة باللغة، وأيضا تأثير يقلل من احتمالات خرف الشيخوخة عند الكبر.
إن هذه النتائج الحديثة عن ازدواج اللغة تختلف كثيرا عن الافتراضات التي كانت سائدة من قبل. لقد كان الباحثون، لفترة طويلة ينظرون لازدواج اللغة كعائق من حيث القدرة الاستيعابية، و كمقلل لقدرات الطفل و تطوره الفكري.
ربما كانوا على صواب في وجود تداخل بين اللغتين، فهناك أدلة على أن كلتا اللغتين تكونان في حالة نشاط في نفس الوقت داخل العقل، حتى في حالة استخدام واحدة منهما فقط، وهو ما يتسبب أحيانا في إعاقة إحدى اللغتين بواسطة الأخرى.
ولكن مثل هذا التداخل ليس إعاقة بقدر ماهو نعمة خفية . فالتداخل بين اللغتين يجبر العقل على حل هذا الاختلاف الداخلي, وهو ما يمثل تمرينا عقليا يقوي من قدراته الاستيعابية. فعلى سبيل المثال يتفوق أصحاب اللغتين على أصحاب اللغة الواحدة في حل بعض أنواع الفوازير أو المسائل العقلية.
الأطفال في سن ما قبل المدرسة :
وفي دراسة نشرتها العالمتان النفسيتان (إلين بياليستوك) و(ميشيل مارتين-ري) طلبتا الباحثتان من أطفال –في عمر ما قبل المدرسة- أن يرتبوا مجموعة من الدوائر الزرقاء والمربعات الحمراء على شاشة الحاسوب في صندوقين: أحدهما عليه صورة مربع أزرق والآخر عليه دائرة حمراء (أي عكس الأشكال التي سيرتبونها).
كان أول مطلب من الأولاد أن يوزعوا الأشكال على الصندوقين حسب اللون (المربعات الحمراء في الصندوق الذي عليه دائرة حمراء والدوائر الزرقاء في الصندوق الذي عليه مربع أزرق) واستطاع الأطفال –سواء من تعلموا لغة أو اثنتين- أن يؤدوا المطلوب بسهولة.
بعد ذلك طلب من الأولاد أن يوزعوا الأشكال على الصندوقين حسب الشكل (المربعات الحمراء في الصندوق الذي عليه مربع أزرق والدوائر الزرقاء في الصندوق الذي عليه دائرة حمراء) وهو أكثر صعوبة لتناقض الألوان بين الشكل والصندوق.
وفي هذا الاختبار استطاع الأولاد مزدوجي اللغة أن يؤدوا المطلوب أسرع من الأولاد أصحاب اللغة الواحدة.
ومع تكرار تجارب مشابهة, كان من الممكن التدليل على أن مزدوجي اللغة يتحسن لديهم ما يدعى بالجزء التنفيذي في المخ –نظام في المخ يوجه الانتباه إلى حل المشكلات والتخطيط - وكذلك تتحسن قدرتهم على التركيز فيما يفعلونه, والتنقل بين المهام مع عدم نسيان المعلومات عن كل مهمة (مثل تذكر وصفة الطريق وأنت تقود مثلا)
ولماذا يحسن التنقل بين اللغتين في الدماغ هذه الوظائف العقلية؟
حتى وقت قريب، كان الباحثون يظنون أن ميزة ازدواج اللغة تنشأ أساسا من القدرة التي تم التمرين عليها من خلال كبت أحد اللغتين من أجل استخدام الأخرى، وكان الباحثون يظنون أن هذه القدرة على الكبت ساعدت أصحابها على إهمال المشتتات. ولكن هذا التفسير يقل تقديره يوما بعد يوم، حيث تظهر الدراسات تفوق مزدوجي اللغة على ذوي اللغة الواحدة في مهام لا تحتاج لمهارة الكبت هذه.
إن الفرق الأساسي هو ازدياد القدرة على التفاعل مع البيئة المحيطة. "يضطر مزدوجي اللغة إلى التنقل بين اللغتين بشكل متكرر, فمثلا يكلم الطفل أباه بلغة وأمه بلغة أخرى" هكذا يقول (ألبيرت كوستا) الباحث بجامعة (بومبي) الأسبانية "يتطلب ذلك من الولد أن يواصل الانتباه للبيئة من حوله، تماما كما نراقب الطريق من حولنا ونحن نقود السيارة" وفي دراسة أجراها السيد (كوستا) مع زملائه على أطفال يتكلمون الإيطالية والألمانية في مقابل أطفال يتكلمون الإيطالية فقط ، تم اختبار الأولاد في القدرة على مراقبة البيئة من حولهم. وقد وجدوا أن الأولاد المزدوجي اللغة قد فعلوا أفضل من أقرانهم ذوي اللغة الواحدة، و بجهد أقل من المخ, مما يعني مهاراتهم في اداء هذه المهام واعتيادهم عليها.
إن هذا التأثير لازدواج اللغة على المخ يبقى واضحا من الطفولة وحتى الشيخوخة (وتوجد كذلك أسباب للاعتقاد أن هذا التأثير يكتسب حتى عند تعلم اللغة في سن أكبر من الطفولة)
دراسة عن الاطفال الرضع
في دراسة من المدرسة الدولية للدراسات المتقدمة في إيطاليا، تمت مقارنة الأطفال الرضع –في عمر 7 شهور- الذين تعرضوا للغات مختلفة مع الأطفال الذين تعرضوا للغة واحدة. في بداية الدراسة كان يتم تنبيه الأولاد صوتيا ثم يعرض صورة لدمية في جانب من الشاشة أمامهم، ومع تكرار التجربة، صار الأطفال يتوقعون ظهور الدمية مع الصوت وينظرون للجانب من الشاشة الذي ستظهر عليه. بعد ذلك بدأ الباحثون في عرض الصورة على الجانب الآخر من الشاشة. استطاع الأطفال الذين تعرضوا للغتين أن يتعلموا بسرعة النظر إلى الجانب الآخر من الشاشة حيث المكان الجديد للصورة، بينما كان الأطفال الذين تعرضوا للغة واحدة أقل منهم استجابة للتغيير.
حتى الكبار في السن
وتمتد آثار ازدواج اللغة حتى الأعمار المتقدمة, ففي دراسة حديثة أجريت على المتحدثين باللغتين الأسبانية والإنجليزية في عمر 44 عاما. قام فريق من العلماء بقيادة عالمة النفس والأعصاب (تامار جولان) من جامعة (كاليفورنيا) قاموا بإجراء دراسة أفادت أن الأشخاص الذين يستخدمون لغتين بشكل مكثف – تم قياس هذا بمستوى إتقان كل من اللغتين- كان لديهم مقاومة أعلى من الآخرين بالنسبة لأعراض خرف الشيخوخة وغيرها من أعراض مرض (ألزهايمر) وكلما زادت درجة استعمال اللغتين معا كلما تأخرت أعراض التدهور في العقل.
للمزيد من الترجمات النافعة , زوروا صفحتنا (ترجمني شكرا)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق