الثلاثاء، 16 ديسمبر 2014

لا تُعلِّم طفلك الرياضيات والعلوم باللغة الإنجليزية


المصدر: من هنـــــا
ترجمة: دعاء إسلام

إن الأطفال الذين يتعلمون بلغتهم الأم، يحصلون على تقديرات عالية في اختبارات العلوم والرياضيات


 يقول جيوفاني تابانج*: قد تكون الإنجليزية هي لغة العلم، ولكن الطلاب يتعلمون بشكل أفضل، ويساهمون بدرجة أكبر عندما يدرسون العلوم بلغتهم الأم.

ما هي اللغة التي ينبغي أن تستخدم لتعليم العلوم والرياضيات؟ ذلك هو السؤال الذي غالبا ما يثير الخلاف في أوساط التربويين المسؤولين عن تنفيذ المناهج القياسية للعديد من البلدان غير الناطقة بالإنجليزية .

فبعضهم يرى أن تدريس العلوم والرياضيات باللغة الإنجليزية  مطلوب عمليًا لتلبية مطالب التوظيف الحالية كسياسة تعليمية مرنة تتناسب مع متطلبات الواقع..بينما  يشعر آخرون  أن التدريس باللغة الأم هو هدف ومطلب وطني مهم. 

وأنا أتفق مع الرأي الأخير - وأرى أن العلوم والرياضيات يجب أن تُفهما  باللغة الأم،إن كانت الأمة تريد تحويل الموضوعات الدراسية إلى فوائد اقتصادية حقيقية.
الإنجليزية للتجارة وليست للتعليم!

غالبا ما يشار إلى أن اللغة الإنجليزية هي اللغة السائدة لكل من التجارة والعلوم. و في عصر العولمة، تُعد الطلاقة في اللغة الإنجليزية عاملا مهما لتعزيز القدرة التنافسية، وهي بالتأكيد أساسية لأولئك الذين يأتون من البلدان النامية، حيث تعود ملكية أو إدارة معظم الصناعات لمنشآت أجنبية. (وعادةً ما تكون الناطقة بالإنجليزية)

إن القدرة على الكتابة والتحدث بشكل جيد باللغة الإنجليزية هي عادةً من أهم المعايير التي يطلبها أصحاب العمل في اختيار الكوظفين .

ولكن منتقدي التدريس بالانجليزية يقولون إن هذا الاتجاه يضر بكل من جودة عملية التعلم وتنمية التفكير الناقد. وذلك لأن معظم أطفال المدارس يأتون من منازل فيها لغتهم الأم هي اللغة السائدة وليست الانجليزية، مما يؤدي إلى التهميش الاجتماعي المبكر لهم في وسطهم الاجتماعي.

وقد اتخذت بعض الدول نهجا مختلطا، ففي الفلبين،يتم تدريس العلوم والرياضيات باللغة الإنجليزية، بينما يتم تدريس المواد الأخرى باللغة الفليبينية. ولعل ذلك سببه أن الفلبين لديها أكثر من 120 لغة أخرى! و أيضا تسمح وزارة التربية والتعليم للغات المحلية أن تكون لغة التدريس لمعظم المواد. وهذا لأن الأطفال يستخدمون فطريًا اللغة التي تربوا عليها ونشأوا عليها، لفهم العالم من حولهم.

تعتقد وزارة التعليم أيضا أن تدريس باللغة المحلية سوف يشجع الأطفال على البقاء في المدارس بدلا من التسرب، وهذه مشكلة كبيرة في الفلبين، حيث 14 فقط من بين كل 100من الأطفال الذين يلتحقون بالمدرسة في الصف الأول يتوقع لهم الظفر بشهادة جامعية.

تبين الدراسات –و التي أجريت من قبل منظمات مثل اليونسكو والبنك الدولي، فضلا عن بعض المؤسسات المحلية- أن التلاميذ يتعلمون بشكل أسرع وأفضل وبحماس عندما تدرس لهم العلوم بلغتهم العامية المتداولة. 

في بلدان أخرى،أدى الخلاف حول لغة تدريس العلوم والرياضيات إلى تغييرات فعلية في السياسة التعليمية. ففي ماليزيا، على سبيل المثال، كانت هناك مناقشات عنيفة بين أنصار البهاسا الماليزيّة ومؤيدي الإنجليزية. وهكذا في عام 2003، أعادت ماليزيا اعتماد الإنجليزية، ولكنها مرة أخرى في عام 2009 قرر العودة إلى البهاسا كلغة للتدريس .

الرياضيات والعلوم لا يمثلان استثناءا
على الرغم من انتشار اللغة الإنجليزية كلغة للتدريس في الرياضيات والعلوم إلا أنها ليست شرطا لتحقيق التميز والتفوق. فإن البلدان التي تحتل مرتبة متقدمة في الرياضيات والعلوم في اختبار الرياضيات العالمي (TIMSS)  - والذي تقيمه الرابطة الدولية لتقييم التطور التعليمي -  جميعها تدرس تلك المواد بلغتها الأم (باستثناء سنغافورة) ومع ذلك تحقق مراكز متقدمة.

والجدير بالذكرأن TIMSS  هو مؤشر مهم لمقارنة المعايير في الرياضيات والعلوم في جميع أنحاء العالم؛ وتعقد اختباراته العالمية كل أربع سنوات منذ عام 1995 وحتى الآن. 

يحقق طلاب الصف الثامن في هونغ كونغ واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان - جنبا إلى جنب مع سنغافورة – باستمرار معدلات مرتفعة في اختبارات الرياضيات والعلوم. هذه الدول المتفوقة تدرس كل المواد في التعليم الأساسي (بما في ذلك العلوم والرياضيات) باللغة المحلية، مع اللغة الإنجليزية فقط كجزء من المنهج الدراسي الإلزامي. 

ومن المفارقات،أنه بين الدول التي تحصل دوما على مراكز متأخرة, نجد الولايات المتحدة الأمريكية والفلبين الناطقة باللغة الإنجليزية.

التحدي يستحق الجهد
إن التدريس في جميع المواد باللغة المحلية ليس فقط يزيد درجة الفهم للمتعلمين، ولكنه أيضا يمهد الطريق لمزيد من للتنمية الوطنية. 

ولكن يجب القول أن تدريس العلوم والرياضيات باللغة العامية عملية لا تخلو من التحديات. لأن التعليم نشاط ينطوي على التجارب الشخصية للمدرس والطلاب – ولهذا يجب أن تؤخذ العوامل الثقافية واللغوية الخاصة المتعلمين بعين الاعتبار لمساعدة الطلاب في فهم المعلومات الجديدة.

ومن التحديات أيضا الحاجة لترجمة الدوريات والأبحاث المهمة، والمصادر التعليمية الأخرى. فلسوء الحظ نجد أن معظم الكتب المدرسية في العالم النامي هي كتب إنجليزية مستوردة وغير مترجمة. 
وبصرف النظر عن حاجز اللغة، فإن هذه الكتب غالبا ما تستخدم أمثلة من واقع وثقافة أمريكا أو بريطانيا, ولا يكون لهذه الأمثلة معنى خارج هذين البلدين.

ومن الجهود المطلوبة كذلك, أن يتم تدريب المعلمين، والمواد التعليمية، باللغة المحلية. قد يسهل ذلك ألا نسعى لاختراع كلمات جديدة للتعبير عن المصطلحات العلمية بل يمكن إدماج هذه المصطلحات الأجنبية واستخدامها أثناء الشرح . وبالرغم من ذلك فإن الترجمة تظل عبئا وجهدا مطلوبا وعادة تتوانى وزارات التعليم عن القيام به.

من المهم أن نلاحظ أن أهمية اللغة الإنجليزية جاءت كنتيجة تاريخية، وهو ما يشبه إلى حد كبير استخدام اللاتينية من العصور الوسطى. وذلك لأن العلماء آنذاكو وكما هو الحال الآن، حرصوا في أعمالهم على كتابة  الكتب والمنشورات بلغة مشتركة. تماما كما حلت الإنجليزية محل اللاتينية واللغات الأوروبية الأخرى.و  قد نشهد فيما بعد التغيير للغة أخرى تكون مشتركة بدلاً من الإنجليزية.

 أي أن اللغة الإنجليزية ليس لها مزية في ذاتها لنختارها لتعليم العلوم.

فإن التاريخ يبين لنا أيضا العديد من الأمثلة التي لا تمنع فيها هيمنة لغة معينة على العلم من نشر أبحاث ممتازة باللغة الأم للباحثين. أي أن تدريس العلوم والرياضيات باللغة الأم لا يشكل عائقا أمام التفوق العلمي، بل وسيؤدي إلى فهم أفضل للعالم من حولنا.

 جيوفاني  تابانج *هو أستاذ مساعد في المعهد الوطني للفيزياء، جامعة الفلبين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق