نتيجة البحث : إن طريقة استخدام الكلمات في اللغة –الضمائر, و أدوات التعريف و التنكير, وأدوات الصلة, وحروف الجر, وغيرها من النسيج التركيبي للغة[1]- يكشف استخدام هذه الكلمات عن الكثير من صدق المتكلم أو كذبه, وحالته المعنوية, وإحساسه بنفسه وبالآخرين.
منهج البحث : في التسعينيات من القرن العشرين, قام (جيمس بينبيكر) بالمساهمة في عمل برنامج على الحاسوب[2], يقوم هذا البرنامج بتحليل الكلمات في أي وثيقة, ويبين عدد التكرارات للكلمات فيها,
ويفصل بين كلمات المحتوى –التي تقوم بإيصال المعنى- وبين كلمات الآلة –التي تربط كلمات المحتوى لتكون جملة مفيدة- في هذه الوثيقة. وبعد استخدام هذا البرنامج لتحليل ما يزيد على 400 ألف وثيقة – تتضمن تقارير لطلبة الجامعة, ونسخ من المحادثات الإلكترونية على الانترنت بين العشاق, ومناقشات بين المجموعات في حجرات الدردشة على الانترنت, وتصريحات من مؤتمرات صحفية, وغيرها من المصادر. بعد تحليل كل هذه الوثائق استطاع (جيمس) أن يخرج بنتيجة مفادها أن كلمات الآلة هذه تحمل مفاتيح مهمة عن حالة الكاتب أو المتكلم النفسية, وتكشف عن شخصيته أكثر بكثير من كلمات المحتوى التي تتضمن معاني الكلام وصفات الموضوع الذي يتحدث عنه.
ويفصل بين كلمات المحتوى –التي تقوم بإيصال المعنى- وبين كلمات الآلة –التي تربط كلمات المحتوى لتكون جملة مفيدة- في هذه الوثيقة. وبعد استخدام هذا البرنامج لتحليل ما يزيد على 400 ألف وثيقة – تتضمن تقارير لطلبة الجامعة, ونسخ من المحادثات الإلكترونية على الانترنت بين العشاق, ومناقشات بين المجموعات في حجرات الدردشة على الانترنت, وتصريحات من مؤتمرات صحفية, وغيرها من المصادر. بعد تحليل كل هذه الوثائق استطاع (جيمس) أن يخرج بنتيجة مفادها أن كلمات الآلة هذه تحمل مفاتيح مهمة عن حالة الكاتب أو المتكلم النفسية, وتكشف عن شخصيته أكثر بكثير من كلمات المحتوى التي تتضمن معاني الكلام وصفات الموضوع الذي يتحدث عنه.
التحدي: هل يمكن حقا أن تمثل هذه الكلمات -غير ذات المعنى- نافذة على دواخل الشخص وأفكاره؟ من فضلك يا بروفيسور (جيمس بينبيكر) قم بالدفاع عن فكرتك هذه.
(بينبيكر): حينما بدأنا في هذا البحث, وقمنا بتحليل كلام الناس وكتاباتهم, لم نكن نتوقع نتيجة كهذه مطلقا. على سبيل المثال, حينما قمنا بتحليل الأشعار التي كتبها شعراء ماتوا منتحرين, ومقارنتها بأشعار من لم ينتحروا وماتوا ميتة طبيعية من الشعراء, كنا نتوقع أن تكون أشعار المنتحرين أكثر سلبية وإظلاما , وأن تكون كلمات المحتوى –تلك التي تعبر عن معاني اليأس والحزن – هي التي تميز بين النوعين, لا كلمات الآلة التي تبني الجمل. ولكن الحقيقة وما وجدناه لم يكن هذا, ولكننا مع ذلك اكتشفنا فروقا ملحوظة جدا في تكرار كلمة "أنا" بين النوعين من الشعراء. وفي البحث تلو البحث, وجدنا هذه النتيجة متكررة. فحين قمنا بتحليل وثائق عسكرية, كان بإمكاننا معرفة الفروقات بين الرتب من خلال طريقة كلامهم, ومرة أخرى كان العامل المميز هو الضمائر وحروف الجر وغيرها من كلمات الآلة, ولم يكن ما يختلف هو كلمات المحتوى.
وما سبب أهمية كلمات الآلة في رأيك يا بروفيسور؟
في اللغة الإنجليزية يوجد حوالي 500 كلمة آلة, من بينها حوالي 150 كلمة شائعة جدا في الاستخدام. بينما كلمات المحتوى – الأفعال, والصفات وما يشبهها- هي التي تحمل المعنى من كلامنا وهي التي تعبر عن أفكارنا, ولكن كلمات الآلة هي التي تشكل لغتنا وتقوم باختصار التعبيرات في اللغة.
إن الناس يحتاجون إلى مهارات اجتماعية من أجل إجادة استخدام كلمات الآلة وفهمها, وهذه الكلمات يتم التعامل معها داخل عقولنا بطريقة مختلفة عن كلمات المحتوى. إنها كلمات أساسية في فهم العلاقة بين المتكلم وبين موضوع حديثه وبينه وبين باقي الناس. فلو قمنا بتحليل كيفية استخدام كلمات الآلة, يصير بمقدورنا أن نستشعر حالة المتكلم المزاجية والمعنوية و أحاسيسه وشخصيته, بل ربما كان بإمكاننا أن نخمن سنه وجنسه وطبقته الاجتماعية.
وإليكم مثالا بسيطا يمتلئ بكلمات الآلة "أنا لا أعتقد أني أصدق هذا".
أوه, لقد أظهرت حالا الكثير عن دواخلك بهذه الجملة. لماذا لم تقل "لا أصدق هذا" أو حتى "إن هذا هراء"؟ إن اختيارنا للضمائر يظهر ماهو الذي نركز عليه. فلو كان الشخص يكثر من كلمة "أنا" فهو شخص مهتم بذاته ويركز عليها.
لو سألك أحد ما "كيف حال الجو بالخارج؟" ربما جاوبته قائلا "إن الجو حار" أو "أنا أعتقد أنه حار". هذه الزيادة "أنا أعتقد" ربما تبدو لا أهمية لها, ولكنها في الحقيقة ذات معنى مهم, إنها تظهر أنك تركز على نفسك كثيرا. كذلك, يستخدم الناس المكتئبون كلمة "أنا" أكثر بكثير من المستقرين نفسيا, وكذلك الناس الأقل في الطبقة الاجتماعية يميلون لاستخدامها أكثر في كلامهم.
وهل يمكنك أن تميز لو كان المتكلم يكذب من خلال استخدامه لكلمات الآلة يا بروفيسور؟
نعم يمكن ذلك, فالشخص الكاذب كثيرا ما يميل لاستخدام ضمير الجماعة وكلمة "نحن" بدلا من الضمير المفرد وكلمة "أنا". فبدلا من أن يقول "أنا لم آخذ كتابك" ربما يقول "ليس هذا من أفعال الأشخاص الجيدين". إن الأشخاص الأكثر صراحة وصدقا يستخدموه كلمات مباشرة صريحة مثل "ولكن" و "بدون" , وينفون الأشياء بكلمات مباشرة مثل "لا" و "أبدا" و "لا يمكن". إنهم يستخدمون هذه الكلمات بكثافة أكثر بكثير. لقد قمنا بتحليل الكثير من شهادات الشهود في سجلات المحاكم, وكان الفارق في الاستخدام وطريقة الكلام واضحا جدا.
إن كلمات الآلة مثل الدعامات الخشبية في البناء: إنها مهمة جدا, ولكنها لا معنى لها في شكل البناء وتصميمه المعماري.
ربما يمكنك أن تفكر في هذه الكلمات أيضا كما لو كانت مسامير في قطعة أثاث. فعادة ما نهملها ونحن ننظر للأثاث, بينما هي ما يجعل الأثاث ثابتا. وكذلك نحن نهمل هذه الكلمات ونحن نفكر في كلمات الآخرين ونركز على المحتوى و المعنى. فمثلا لو بحثت عن جملة في موقع (جووجل), فإن طريقة عمله هو أن يهمل كلمات الآلة, وذلك لأنه مهتم بكلمات المحتوى ليجد الموضوع الذي تبحث عنه. ولكن كلمات الآلة تحمل معان ٍ خفية, فكلمة "خاتم" تحمل معنى يختلف عن "الخاتم", بل وتجد في كثير من اللغات غير الإنجليزية أن كلمات الآلة تستخدم لتعبر عن الفارق في الطبقة والمكانة بين الأشخاص.
أرقام مهمة
أرقام مهمة
في الإنجليزية حوالي 100 ألف كلمة تستخدم للكلام و المحادثة. بين هذه الكلمات توجد حوالي 500 كلمة فقط من كلمات الآلة (أي حوالي 0.5 %) بينما في كلامنا نجد أن 55% من الكلام الذي نسمعه أو نقرأه أو نتكلم به في المعتاد يتكون من هذه ال500 كلمة !
|
ربما اعتقد أكثر الناس أن الرجال أكثر استخداما "أنا" لأن الرجال عادة ما يكونوا أكثر نرجسية ومدحا في النفس. ولكن من خلال الدراسات المختلفة والثقافات المتعددة, وجدنا أن النساء أكثر استخداما لكلمات "أنا" و "إنني" و "ملكي" من الرجال . إن النساء أكثر اهتماما بأنفسهن, وأكثر وعيا بالمشاعر الدفينة فيهن. يميل الرجال أيضا إلى الإكثار من أدوات النكرة والمعرفة[3], ومعنى هذا أن الرجال يتكلمون عن الموضوعات والأشياء المحددة أكثر, فالمرء يستخدم أدوات التعريف هذه في الحديث عن الأشياء الملموسة المحددة, لأنها عادة ما تصاحبها أداة التعريف أو وسيلة التنكير – مثل المضرب, مصب النهر, شارع, صندوق, الهاتف- أكثر من الأمور المعنوية.
سؤال آخر يا بروفيسور: لو استمعت لمقابلة شخصية من أجل وظيفة, ماذا يمكن لكلمات الآلة أن تخبرك عن المتقدم للوظيفة؟
أنه من المستحيل تقريبا أن تميز الفروقات بمجرد القدرات البشرية, ولهذا احتجنا إلى أن نقوم بعمل برنامج على الحاسوب ليقوم هو بتحليل اللغة. فمثلا يستخدم الشخص المكتئب أو المحبط كلمة أنا بمعدل 6.5% من كلماته, بينما يستخدمها الشخص العادي بمعدل 4% فقط. هذا الفارق في النسب يبدو ملحوظا من الناحية الإحصائية ولكنه لا يبدو ملحوظا لأذن المستمع البشري. ولكن ربما كان بمقدورنا أن نضع بعض التكهنات أو الافتراضات حين نستمع لمقابلة شخصية, فأنا أضع في اعتباري الطريقة التي يتكلم المتقدم للوظيفة بها عن زملاء العمل السابق أو زملاء الدراسة. هل يتكلم عنهم
بصيغة "نحن" و "كنا" أم أنه يتكلم عنهم بصيغة "هم" و "كانوا"؟ هذه التفرقة
تعطيك انطباعا عن روح الفريق عند هذا المتكلم. كذلك لو كنت تريد تعيين شخص
في منصب اتخاذ القرارات, فربما تفضل الشخص الحازم المتأكد الذي يقول "إن
الجو حار" وليس المتشكك الذي يقول "أعتقد أن الجو حار".
وماذا كان رد فعل الناس لنتائج تحليلك لكلامهم يا بروفيسور؟
لقد
قمت بعمل تحليل لكلامي أنا شخصيا, وقد دهشت للنتيجة. كنت قد استخدمت
البرنامج من أجل تحليل كل شيء كتبته – حتى البريد الإلكتروني. كذلك قمت
بعمل جهاز تسجيل يرتديه الشخص ويعمل تلقائيا ليسجل 30 ثانية من كلامك في كل
12 دقيقة من اليوم, وبهذا يمكنه أن يلتقط لمحات من كلامك خلال المحادثات
اليومية. وقد قمت بتجربة هذا المسجل شخصيا, وحين حللت محادثاتي, أذهلني
الاختلاف في طريقة كلامي مع ابني - البالغ من العمر 12 سنة في ذلك الوقت -
عن طريقة كلامي مع زوجتي وابنتي. فمع زوجتي وابنتي كنت أتكلم بتلقائية
وبصورة حميمية, بينما مع ابني كانت لغتي أكثر برودا وانفصالا. لقد أدركت
أنني كنت أفصل نفسي عنه ولم أكن حاضرا ذهنيا في الكلام معه. كان هذا خلال
فترة من التوتر في علاقتي بولدي الذي كان يمر بفترة المراهقة ويتصرف ببعض
التمرد, وكان رد فعلي هو أنني كنت أعامله بجفاء وانفصالية, كما هي عادة
الذكور الحمقاء في التعامل حين يكونون متضايقين. حين أدركت هذا من خلال
تحليل كلامي, بدأت أحاول أن أكون أكثر تفاعلا معه وإحساسا به, وأكثر صراحة
في التعامل معه.
سؤال أخير يا بروفيسور: هل هناك فوارق واضحة بين الجنسين في استخدام كلمات الآلة؟
ربما اعتقد أكثر الناس أن الرجال أكثر استخداما "أنا" لأن الرجال عادة ما يكونوا أكثر نرجسية ومدحا في النفس. ولكن من خلال الدراسات المختلفة والثقافات المتعددة, وجدنا أن النساء أكثر استخداما لكلمات "أنا" و "إنني" و "ملكي" من الرجال . إن النساء أكثر اهتماما بأنفسهن, وأكثر وعيا بالمشاعر الدفينة فيهن. يميل الرجال أيضا إلى الإكثار من أدوات النكرة والمعرفة[3], ومعنى هذا أن الرجال يتكلمون عن الموضوعات والأشياء المحددة أكثر, فالمرء يستخدم أدوات التعريف هذه في الحديث عن الأشياء الملموسة المحددة, لأنها عادة ما تصاحبها أداة التعريف أو وسيلة التنكير – مثل المضرب, مصب النهر, شارع, صندوق, الهاتف- أكثر من الأمور المعنوية.
تستخدم النساء أيضا ضمائر الغائب كثيرا مثل "هو" و "هي" و "هم", لأن النساء يتكلمن أكثر عن الأشخاص الآخرين وعن العلاقات معهم.
[1] الضمائر مثل نحن, أنتم , نون الجماعة ...الخ, أما أدوات التعريف فهي مثل ألف لام التعريف, وأدوات الصلة مثل الذي والتي...الخ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق