الجمعة، 20 أبريل 2012

من تحسين المدرس إلى تحسين التدريس


أنوستوب ناياك (كاتب المقال)

أنوستوب ناياك هو شريك في مؤسسة أيديسكفري للتعليم, وهي مؤسسة اجتماعية تهدف لتحديث التعليم في الهند. يقود (أنوستوب) أنشطة الاتصالات والإعلان في المؤسسة وهو حاصل على شهادة الماجستير في التعليم من أكاديمية (هارفارد) التعليمية

يذهب إلى المدارس في الهند قرابة الربع مليار طفل, ويتخرج الكثيرون منهم دون أن يتقنوا المفاهيم المطلوبة لحياتهم ودون أن يكتسبوا الثقة ومهارات التواصل مع المجتمع. في غالب الأحيان نلقي اللوم على الستة ملايين مدرس الذين يمارسون التعليم عندنا في الهند ونتهمهم بالتسبب في هذا القصور, ونلقي عليهم تهماً جاهزة مثل  "غير متحمس"و "تنقصه المهارة" و"غير متفتح الذهن". وحين عدت إلى الهند منذ ثماني سنوات بعدما حصلت على زمالتي في (هارفارد) ومعي حلمي بإعادة تشكيل النظام المدرسي, كنت أيضا أحمل انطباعا سلبيا عن هؤلاء المدرسين.


في الهند وغيرها من دول العالم, تجري ثلاث محاولات كبرى لإصلاح مشكلة "المدرس السيء" المزعومة: إعادة تدريب المدرسين, أو تعيين مدرسين "أكثر ذكاءً" أو إحلال التكنولوجيا محل المدرسين. حتى الآن لم ينتج عن أي من تلك المحاولات الثلاثة نتائج مُرضية, ولا غرابة في هذا, فنحن من خلال تجاربنا الأولية قد قمنا بتدريب ألفي مدرس , وحصلنا على الكثير من الآراء المشجعة, ولكننا لم نغير في بيئة الفصل مطلقا. وكم أتعجب حين أفكر في نتيجة ملايين ساعات العمل التي خصصتها الحكومة الهندية من أجل تدريب مدرسيها سنويا, حيث شاهدنا جهودا لمحاكاة مشروع "التدريس من أجل أمريكا"[1] لتشجيع الموهوبين والمتفوقين على الاتجاه لمهنة التدريس, وملايين الدولارات التي أنفقت في الاستثمار على التعليم الالكتروني, كل هذه الجهود كانت نتائجها تأتي مختلطة حين يتم التطبيق على نطاق أوسع من التطبيق المبدأي.


لماذا لا تنجح هذه الإصلاحات؟ لقد تطلب الأمر منا مئات الساعات من الجلوس في داخل الفصول لنفهم الأسباب من وراء هذا الإخفاق. إن التدريس هو حقا مهنة صعبة , حتى ولو كان الشخص متحمسا لعمله, فمابالك بربة منزل متوسطة الحال والتعليم, يتم الدفع بها إلى داخل الفصل ل"تقول" ماهو في الكتاب وتجعل أربعين طفلا يجلسون ليستمعوا لها؟ إن لومها على التقصير في التدريس أو محاولة زيادة معلوماتها الأكاديمية لا عائد من وراءه مالم نعطها أيضا وصفة أفضل للقيام بالتدريس نفسه. لهذا بدلا من الجري وراء سراب "تحسين" المدرس, ينبغي أن نلاحق الهدف الأكثر عملية وهو أن نزود المعلمين الحاليين بطرق التدريس "الأحسن".

توجد ثلاث مكونات رئيسية مطلوبة لتحقيق التدريس الجيد داخل الفصل:

أولا: نريد "منظومة مختصرة" للتعليم الجيد, منظومة فيها تفاصيل كافية وتحقق نتائج عملية داخل الفصل. مثلا, يمكن عمل "كتالوج" يحتوي على كل مفهوم سيتم تدريسه للأولاد -مثلا صفات الهواء- ويتم تقسيم تدريسه إلى خمس مراحل بسيطة: توضيح الهدف للأولاد (تبيين أين الهواء وأنه من حولهم) ثم القيام بتجربة عملية بسيطة (مثلا نغمر صخرة في الماء ونريهم كيف يحيط بها) ,ثم نتبادل الأسئلة لنتعمق في فهم الموضوع (مثلا من أين تأتي فقاقيع الهواء؟) ثم نطبق هذه المعلومة في تحدي واقعي من حياتنا اليومية (مثلا اشعال شمعة داخل إناء مغلق) وأخيرا نقوم بتقييم ما تعلمه الأولاد وما استوعبوه.

ثانيا: يتطلب التعليم الجيد أن تكون لدي المعلم مهارة اجتذاب كل الطلبة في الفصل للمشاركة والتفاعل. للحصول على هذه المهارة يمكن أن نقوم بعمل برنامج تدريبي مستمر للمدرس يقام "داخل" الفصل. حيث نريه عروضا تطبيقية وأمثلة عملية على المهارات الفعالة في إدارة الفصل, ونجعله يري ردود الأفعال والآراء. يمكن لهذا أن يحدث ويستمر إذا وجدنا القيادة التي تتبني هذا, من المدرسين الأوائل والموجهين الذين بيدهم اتخاذ القرارات بخصوص محتوى المنهج وطرق عرضه, وبيدهم أن يقودوا أنشطة التعليم ويقوموا بتقييم العملية التعليمية ويمكنهم قيادة الأنشطة التعاونية في التعليم.

ثالثا: لا يمكن أن نشعر بقيمة التعليم الجيد إلا لو كان هناك عملية مستمرة من القياس والتقييم والتعرف على النتائج. بدلا من التقييم البالغ الأهمية والخطورة –اختبارات آخر العام مثلا- والتي يتم بناءً عليها تقييم الطلبة بشكل نهائي وحتى الاختبار التالي, ماذا لو كان نظام التقييم هو نظام مستمر مع الطفل ؟ حيث يقوم الطفل بتطبيق ما تعلمه في عدة مهام, ويتلقى النتيجة بناءً على الأداء في تلك المهام بشكل واضح ومحدد, ومن ثم يتم تحديد خطة عمل واضحة ويتم البدء في تنفيذها مباشرة لتحسين مستوى الطفل التعليمي.

لقد قمنا بتطبيق هذه المكونات الثلاثة في أكثر من خمسمائة مدرسة عامة في الهند, تعاني أغلبها بشدة من قيود نقص مهارات المعلمين والمواهب التعليمية, وقمنا بعمل "كتالوج" المعلم الذي صار يحتوي على إرشادات تعليمية عن كل مفهوم تعليمي في الصف الثامن في التعليم الهندي, مما أنتج أكثر من ثمانية آلاف خطة تعليمية مفصلة, وقمنا بتحسين مهارات إدارة الفصل لدى المدرسين وتدريبهم على مهارات التدريس الفعالة, كما قمنا بعمل تقييم لمستوى كل طفل في هذه الفصول. والآن بعدما زودنا هؤلاء المدرسين بمنظومة تدريسية أفضل, وبدعم أحسن لهم, صار هؤلاء المدرسون الذين كنا نشكك في قدراتهم أكثر كفاءة وصار بوسعهم أن يظهروا نتائج ملموسة في تحسين استيعاب الأطفال للمفاهيم التي يتعلمونها , وفي تطبيق هذه المفاهيم والاستفادة منها وأيضا في قدرات هؤلاء الطلبة على التواصل ومهارات الاتصال مع المجتمع.

والآن حول العالم هناك عدة أمثلة توضح لنا ثمار التدريس الجيد وكيف أنه يأتي بنتائج ملموسة. في دراسة حديثة لمؤسسة (ماكينزي)[2] قام الباحثون بعمل تقييم لأكثر من ستين نظاما تعليميا تم تحسينها, وأظهرت الدراسة أن التحسينات المتعلقة بمنظومة التدريس هي التي أدت لنتائج أفضل بالمقارنة بالتحسينات التي ركزت على المصادر ونظام إدارة المدرسة. ويمكن النظر لنجاح مشروع (إسكولا نوفا) أو المدرسة الجديدة[3] في دول أمريكا اللاتينية الفقيرة على أنه دليل على أن الأدوات والمنظومات المدروسة يمكن أن تعوض نقص المواهب التعليمية لدى المدرسين, وفي الولايات المتحدة الأمريكية قام (دودج ليموف)[4] بابتكار طريقة جذرية لتدريب المدرسين عن طريق تصوير المدرسين الناجحين بالفيديو ثم القيام بتحليل أفعالهم إلى مجموعة من ال"ممارسات" التي تزيد من فاعلية التدريس.

على ضوء ما قمنا به من تجارب يمكن أن نؤكد أنه بإمكان التلاميذ أن يتعلموا بصورة أفضل مع نفس مدرسيهم الحاليين. ما يصنع الفارق هو جودة المنظومة التعليمية المدعومة ببناء عملي لمهارات القيادة والدعم للتلاميذ من قبل المدرس, وهو ما يعد شعاعا من الأمل لمن أراد أن يعيد تشكيل النظام المدرسي في الهند أو في العالم أجمع.

للمزيد من الترجمات النافعة , زوروا صفحتنا (ترجمني شكرا)


[1] ملحوظة المترجم: هو مشروع في أمريكا يدعو المتخرجين الجدد للعمل بالتدريس لمدة عامين في الأماكن الفقيرة في أمريكا لتعويض الفارق بين جودة تعليم الأغنياء والفقراء من خلال استخدام خريج الجامعة الحديث كمدرس أفضل (www.teachforamerica.org)
[2] ملحوظة المترجم: مؤسسة تهدف لدراسة الأحوال التعليمية والاجتماعية والصحة العامة وغيرها حول العالم (http://mckinseyonsociety.com)
[3] ملحوظة المترجم: مؤسسة لاربحية وغير حكومية تهدف تطوير التعليم من خلال تطبيق نظام المدرسة الجديدة التي قام مؤسسوا المؤسسة بتصميمه من اجل تحسين التعليم في الدول الفقيرة (http://www.escuelanueva.org/pagina/index.php?codmenu=0&idioma=2)
[4] ملحوظة المترجم: دودج ليموف هو مدير مؤسسة (مدارس غير تقليدية) الأمريكية , وله مؤلفات في تطوير التعليم وتحسين أداء المدرس (http://uncommonschools.org/bio/1019/doug-lemov)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق